هذا ولدُ ولدي​​

يُروى أنّهُ كان ثمةَ قومٌ من العرب يسكنون ناحيةً من الصّحراء وكان فيهم رجلٌ له أمٌّ طاعنةٌ في السّن وهو وحيدُها، وكانت تفقد ذاكرتها في أغلب الأوقات لكبر سنها، وكان كثيرَ الانزعاج منها. في أحد الأيّام أراد قومُه أن يرحلوا إلى مكان آخر فقال لزوجته: إذا ذهبنا غدًا اتركي أمي في مكانها واتركي عندها زادًا وماءً حتّى يأتي من يأخذُها ويخلصُنا منها أو تموت. وبالفعل فعلت الزوجة كما طلب منها زوجها ولكنها فعلت أمرًا عجيبًا فقد تركت ولدَهما وعمره سنة مع جدته والزّاد والماء، وكان والده يحبّه حبًّا عظيمًا. سار القوم وفي منتصف النهار توقفوا للراحة، فسألها عن ابنه فقالت: تركتُه مع أمك. قال وهو يصيح بها: ماذا فعلت؟! قالت: فعلتُ ذلك لأنّه قد يرميك ذاتَ يومٍ في الصّحراء كما رميتَ أمك! فنزلت هذه الكلمةُ عليه كالصاعقة، لم يرد على زوجته بكلمة واحدة، أسرج فرسه وعاد مسرعًا عساه يدرك ولده وأمه قبل أن تفترسهما السباع. وصل الرجل إلى المكان ووجد أمه تضم ولدَه إلى صدرها، وحولهما الذّئاب، وهي ترميها بالحجارة وتقول لها: ابتعدي، هذا ولدُ ولدي. فما كان منه إلا أن أبعد الذّئاب وقبّل أمه وحملها وولده وهو يبكي وعاد بهما إلى قومه. وصار بعد ذلك كثيرَ العناية بها، وصار إذا انتقل قومه إلى مكان آخر يكون أول ما يحمل على الجمل أمّه ويسير خلفها على فرسه، وهو لا ينسى الدّرس الذي تعلمه من زوجته.